(23) ويبشرهم (صلى الله عليه وسلم ) بالجنة إذا ماتوا صغارًا: عن عائشة أم المؤمنين رضي اللَّه عنها قالت: دُعي رسول (صلى الله عليه وسلم ) إلى جنازة غلام من الأنصار، فقلت: يا رسول الله، طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل السوء ولم يدركه. قال: «أوَ غير ذلك يا عائشة؟ إن اللَّه خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم»(1).
فانظر يا أخي عَلاَم يربي كثير من الناس الآن صِغارهم، إنهم يعطونهم الفرصة بقصد أو بغير قصد ليدركوا قول السوء وفعله وهم لا يزالون صغارًا، فترى الطفل وهو صغير مشبعًا بالرذائل ولا يعرف شيئًا عن الفضائل، وتراه يتكلم بأفحش الكلام، ويسب ويلعن ويشتم بألفاظ العورات، ولا يوقر الصالحين ولا الصالحات، فإذا مات الواحد من أمثال هؤلاء، فهل أمثالهم عصافير الجنة؟!! وإذا عاشوا فماذا يُنتظر أن يصنع هؤلاء؟! اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون. وقال (صلى الله عليه وسلم ) : «رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة …» إلى أن قال: «قالا: انطلق، فانطلقتُ، فإذا روضة خضراء، وإذا فيها شجرة عظيمة، وإذا شيخ في أصلها حوله صبيان» إلى أن قال: «إنكما طوفتماني منذ الليلة، فأخبِراني عما رأيت. قالا: نعم … قال: وأما الشيخ الذي رأيت في أصل الشجرة فذاك إبراهيم عليه السلام، وأما الصبيان الذين رأيتَ فأولاد الناس»(2).
إذَن فأولاد المسلمين الذين ماتوا ولم يبلغوا الحلم؛ يكفلهم الخليل إبراهيم (صلى الله عليه وسلم ) وزوجته سارة رضي اللَّه عنها، ويقومان على مصالحهم حتى يردوهم إلى آبائهم يوم القيامة. عن أبي هريرة قال: قال رسول (صلى الله عليه وسلم ) : «أطفال المؤمنين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يردوهم إلى آبائهم يوم القيامة»(3).
لذلك كان من الدعاء في صلاة الجنازة على الطفل أن يقال: «… وألحقه بصالح المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقِهِ برحمتك عذاب الجحيم …»(4).
بل أخبر النبي (صلى الله عليه وسلم ) أن اللَّه سبحانه جعل مرضعًا لابنه إبراهيم تقوم عليه وتكمل رضاعه. فعن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) : «إن له مرضعًا في الجنة» - يعني ولده إبراهيم(5).
أما أطفال المشركين: فقد أخبر نبينا (صلى الله عليه وسلم ) بأنهم في الجنة يكونون فيها خدمًا لأهلها. عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) : «أطفال المشركين خدم أهل الجنة»(6).
قال النووي في شرح صحيح مسلم: وأما أطفال المشركين ففيهم ثلاثة مذاهب؛ الأكثرون قالوا: هم في النار تبعًا لآبائهم، وتوقفت طائفة فيهم، والثالث وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون؛ أنهم من أهل الجنة، ويستدل له بأشياء منها حديث إبراهيم الخليل (صلى الله عليه وسلم ) حين رآه النبي (صلى الله عليه وسلم ) في الجنة وحوله أولاد الناس، قالوا: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ قال: «وأولاد المشركين». رواه البخاري في صحيحه. ومنها قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15]
ولا يتوجه على المولود التكليف حتى يبلغ، وهذا متفق عليه والله أعلم(7). اهـ. هذا،
وقد نهى النبي (صلى الله عليه وسلم ) عن قتل صبيان الأعداء في الحروب، فعن عبد الله رضي الله عنه أن امرأة وُجِدت في بعض مغازي رسول (صلى الله عليه وسلم ) مقتولة، فأنكر (صلى الله عليه وسلم ) قتل النساء والصبيان(
.
(24) ويبشّر (صلى الله عليه وسلم ) بشفاعتهم لأبويهم إذا صبروا على فقْدِهِم: عن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة: إنه قد مات لي ابنان، فما أنت محدِّثي عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) بحديث تُطيِّب به أنفسنا عن موتانا؟ قال: «نعم: صغارهم دعاميص الجنة (صغار أهل الجنة) يتلقَّى أحدهم أباه، أو قال: أبويه، فيأخذ بثوبه، أو قال: بيده، كما آخذ أنا بِصَنِفَةِ (طرف) ثوبك هذا، فلا يتناهى، أو قال: فلا ينتهي (فلا يتركه) حتى يُدخِله اللَّه وإيَّاه الجنة»(9).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) قال: «ما من مسلمَيْن يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنْث(10)، إلا أدخلهما اللَّه وإياهم بفضل رحمته الجنة، وقال: يقال لهم: ادخلوا الجنة، قال فيقولون: حتى يجيئ أبوانا، قال: ثلاث مرات فيقولون مثل ذلك، فيقال لهم: ادخلوا الجنة أنتم وأبواكم»(11). بل يخبر (صلى الله عليه وسلم ) بتلقيهم لأهلهم على أبواب الجنة يوم القيامة، قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) : «ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل»(12). قال المناوي: الإخبار بمن بلغ الحنث أي سن التكليف الذي يُكتب فيه الإثم؛ لأن حب الصغير أشد والشفقة عليه أعظم، وهو يلائمه بلا شك قوله (صلى الله عليه وسلم ) في رواية: «بفضل رحمته إياهم»، إذ الرحمة للصغير أكثر. قاله المناوي في «فيض القدير».
وقال: ولموت الأولاد فوائد: 1- كونهم حجابًا عن النار كما في عدة أخبار.
2- يثقلون الميزان.
3- يشفعون في دخول الجنة.
4- يسقون أصولهم (آباءهم وأمهاتهم) يوم العطش الأكبر من شراب الجنة.
5- يخففون الموت عن الوالدين لتذكر أفراطهم الماضين الذين كانوا لهم قرة أعين … وغير ذلك. اهـ. وقال (صلى الله عليه وسلم ) : «من دفن ثلاثة من الولد، حرم الله عليه النار»(13).
وهذا بلا شك مع الصبر واحتساب الأجر عند الله عز وجل والرضا بقضائه. (25) ويبشر (صلى الله عليه وسلم ) من حُرِم الأولاد في الدنيا بهم في الآخرة: عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول (صلى الله عليه وسلم ) : «المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسِنُّه في ساعة واحدة كما يشتهي»(14).
قال المناوي في «فيض القدير»: ولا تعارض بينه وبين خبر العقيلي بسند صحيح: «إن الجنة لا يكون فيها ولد»؛ لأن ذلك لمن لم يشته، فلا يولد له، أما إذا اشتهى فكما بين الحديث. قُلْتُ: وهذا مصداق قول الله سبحانه: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف: 71].
(26) وكان (صلى الله عليه وسلم ) يرحم بكاء الطفل في الصلاة فيخففها، ويحث أئمة المساجد على تخفيف الصلاة لأجلهم: عن أنس رضي الله عنه قال: ما صليت وراء إمام قَط أخف صلاة ولا أتم من النبي (صلى الله عليه وسلم ) ، وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف عنه مخافة أن تُفتَن أمه(15).
ويؤكد (صلى الله عليه وسلم ) ذلك بنفسه فيقول: «إني لأدخل الصلاة وأنا أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجاوز في صلاتي مما أعلم من شدة وَجْد أمه من بكائه»(16).
الوَجْد: الشوق. عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) قال: «إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف فإن منهم الصغير والكبير والضعيف والمريض، فإذا صلى وحده فليصل كيف يشاء»(17).
(27) ويناديهم (صلى الله عليه وسلم ) بكنيتهم تكريمًا لهم: وهـذا الصنيع من كريم أخلاقه (صلى الله عليه وسلم ) يقـول أنس رضي الله عنه: كان رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) أحسن الناس خلقًا وكان لي أخ يقال له أبو عمير، قال: أحسبه فطيمًا، وكان إذا جاء (أي النبي) قال: يا أبا عمير...(18).
إن النداء للطفل بكنيته يرفع معنوياته، ويجعله أشد حبًّا لمعلمه ومربيه، وكلما كانت العلاقة بين الطفل ومؤدبه حسنة كانت النتائج إيجابية وسريعة وعظيمة، فلنقتد بخير الخلق محمد (صلى الله عليه وسلم ) .
(28) ويُحسن النداء (صلى الله عليه وسلم ) للصغار حتى من الخدم: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) قال: «لا يقولن أحدكم: عبدي، وأَمَتي كلكم عبيد اللَّه، وكل نسائكم إماء اللَّه، وليقل: غلامي، وجاريتي، وفتاي، وفتاتي»(19).
لو يعمل الناس بهذا الأدب لارتاحت البشرية، فكلنا عبيد اللَّه، وكل نسائنا إماء الله، ولكن الحمقى لا يفهمون!
(29) ويَحْمِلُهم (صلى الله عليه وسلم ) في صلاته: عن عبد اللَّه بن شداد رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسنًا أو حسينًا، فتقدم رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) فوضعه ثم كبَّر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي: فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) وهو ساجد، فرجعتُ إلى سجودي، فلما قضى رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) الصلاة قال الناس: يا رسول اللَّه، إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر وأنه يوحَى إليك، قال: «كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته»(20).
وعن أبي قتادة الأنصاري أن رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) كان يصلي وهو حامل لأمامة بنت زينب بنت رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) ، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها(21).
ولمسلم والنسائي(22): كان رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) يؤم الناس وهو حامل أمامة بنت أبي العاص على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من سجوده أعادها(23).
(1) صحيح سنن ابن ماجه للألباني ح 67 .
(2) صحيح الجامع 3462 عن سمرة .
(3) صحيح الجامع 1023 . (4) عون المعبود (ج8، ص363) . (5) صحيح الجامع ح 2188 .
(6) صحيح الجامع 1024 . (7) شرح النووي لصحيح مسلم ج 1 ص 9 .
(
البخاري ح3014 .
(9) مسلم ، كتاب البر والصلة 4769 ، وأحمد .
(10) سن البلوغ . (11) البخاري ، كتاب الجنائز ( 1171 ) ، وأحمد وهذا لفظه .
(12) حديث حسن . صحيح الجامع 5772 عن عتبة بن عبد .
(13) صحيح الجامع ح 6238 عن واثلة . (14) صحيح الجامع ح 6649 .
(15) البخاري ، كتاب الأذان 667 . (16) البخاري ، كتاب الأذان 667 . ومسلم ، كتاب الصلاة 723 . وأحمد ، وهذا لفظه .
(17) مسلم ،كتاب الصلاة 714 .
(18) البخاري ، كتاب الأدب ح5375 .
(19) مسلم ، كتاب الألفاظ من الأدب ، وأحمد 9585 .
(20) صحح إسناده حمزة الزين في تحقيق مسند الإمام أحمد ح15975، ح27519 .
(21) البخاري ، كتاب الصلاة 486 ، ومسلم ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة 844 .
(22) مسلم كتاب المساجد ح 543 .
(23) توضح رواية مسلم والنسائي أن حمله (صلى الله عليه وسلم ) لأمامة كان في صلاة الفريضة . وقد قال ذلك أيضًا الحافظ في الفتح ج1 ح 494