الانقلاب السني من اسلام القران الى اسلام الحديث

لا يجري التاريخ إلا في مجرى نهضة الشعوب، وحين لا يحدث ذلك يعدّ الأمر انقلابا في حركة التاريخ. يصدق هذا أيضا على التاريخ العربي الإسلامي، الذي اندفع بدءا من لحظة القرآن نحو نهوض الأمة، ثم ما فتئت الأمة ، بعد انطلاقة أولى ، تتقهقر عقب انحياز معظم أئمتها وفقهائها للسنة والسيرة وما تلا ذلك الانحياز المفرط من تضخم في الروايات وتسرّب للأحاديث المناقضة للعقل والحرية ولحقوق الأقليات، على حساب قيم القرآن الذي هو النص التأسيسي لحضارتنا.

"الانقلاب السني: من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث"، عنوان كتاب سيصدر قريبا للمفكر العربي جورج طرابيشي، يحاول فيه أن يرصد، بوعي ثاقب ورؤية عميقة، تفاصيل"الانقلاب السني" على قيم القرآن طرداً مع التحول من إسلام الرسالة إلى إسلام التاريخ.

في هذا الانقلاب الذي يمتد امتداد الزمن المغلق فينا، أخذت السنة نفس مكانة القرآن، واحتلت موقعه في أحيان كثيرة، ثم صارت ناسخة للكثير من أحكام القرآن. من هنا بدأت الغلقة اللاهوتية وبدأ المسار الانحداري للتاريخ العربي الإسلامي وصولا إلى حالة الشلل والعطالة اليوم، والتي تهددنا بالسقوط في عصور وسطى ، وربما ينتظرنا الأسوأ.

ضد هذا الأسوأ يأتي هذا الكتاب كاشفاً عن مكامن الداء الذي استعصى وراصداً لتفاصيل الانقلاب التراثي الذي أفرغ الكثير من آيات القرآن من محتواها : منها آيات لا تمنح للرسول أي حق في سن القوانين وفي التشريع، وأخرى تحصر مجال الدّعوة في حدود موطن العرب غير الكتابيين داخل "أم القرى ومن حولها". وعقب "الانقلاب السني" تحول الحديث إلى مصدر من مصادر التشريع وتحول الرسول من مشرَّع له إلى شارع.

بل صارت الأحكام التي وضعها أهل الحديث على لسانه، في الكثير من الحالات، ناسخة لأحكام القرآن. وأمسى مجال الدعوة الإسلامية عن طريق الفتوح يشمل الأرض قاطبة والبشرية جمعاء.

هذاالانقلاب شرعنه كبار أئمة الأمة من أمثال الشافعي وابن قتيبة وابن حنبل وابن حزم وغيرهم، انطلاقاً من المشروعية التي منحتها الدولة للانقلاب السني في عهد الخليفة المتوكل الذي شهد عصره هجوما عنيفا على المعتزلة والشيعة و"أهل الذمة" وعلى عموم الأقليات الدينية إرضاء لأهل الحديث واسترضاء لمزاج "العامة" سواء في عاصمة الخلافة بغداد أو في غيرها.

هذا الكتاب يبدد الكثير من أحكام القيمة التي أشاعها معظم مؤرخي الحضارة الإسلامية عند المقارنة بين مختلف مذاهب أهل السنة، لكنه يمنح أيضا لتيارات الإصلاح الديني في بلداننا سندا معرفيا ومسوغا شرعيا لتحرير العقل الإسلامي من أغلال الجمود وأثقال التقليد.

جزاك الله خير